قصة الإمارات في نيويورك
الدول العربية لديها مقعد دائم في مجلس الأمن، ويتم ذلك بالتناوب بين جميع الدول العربية لمدة سنتين لكل دولة كعضو غير دائم، وفي بداية هذا الشهر سلّمت دولة الإمارات الكرسي العربي في مجلس الأمن إلى الجزائر بعد أن أكملت سنتين، مما يعني أن العودة إلى مجلس الأمن في المرة القادمة للدولة ستكون بعد أكثر من 30 سنة من الآن. لهذا السبب تم الاستعداد لهاتين السنتين قبل الموعد بسنوات، وهو نابع من إدراك القيادة السياسية للدولة لحجم هذه الفرصة وعِظم المسؤولية، لأن العضوية تعني أن تكون صوتاً ضمن 15 صوتاً فقط هم من يتكلم باسم العالم في مجلس الأمن، كنا ممثلين لدولتنا والدول العربية ومدافعين عن حقوق الإنسان أينما كان، وداعمين للقضايا الكونية في أكبر محفل أممي.
هناك في مبنى البعثة الدائمة للأمم المتحدة الجديد في مانهاتن نيويورك، الذي يبعد بضع دقائق مشياً على الأقدام من مبنى الأمم المتحدة، أتيحت الفرصة لعشرات الدبلوماسيين والدبلوماسيات من وزارة الخارجية للمشاركة ضمن فريق العمل الذي تترأسه معالي «لانا زكي نسيبة» مندوبة الدولة الدائمة لدى الأمم المتحدة ومساعد وزير الخارجية للشؤون السياسية. كما شارك ممثلون من وزارات اتحادية في الفريق، بالإضافة إلى أن عدداً من وزراء الدولة الذين خاطبوا شعوب العالم في هاتين السنتين من حول الطاولة المستديرة لمجلس الأمن، وكل من شارك في هذا الفريق، اكتسب خبرة كبيرة في مجال بناء العلاقات الدولية لأي قطاع يمثله أو سيمثله في قادم الأيام.
استطاعت لانا نسيبة بتفانيها ومهنيتها أن تنقل خبرتها الدبلوماسية إلى الفريق الذي يعمل معها، تجدها تبث الحماس في من حولها، ولعل أهم ما ميز خطاباتها وضوح رسالة دولة الإمارات والدور الذي ستساهم به في الشأن الذي تتحدث عنه. في خريف 2017 كانت لي فرصة للعمل مع لانا نسيبة في نيويورك لثلاثة أسابيع ضمن فريق يضم قرابة 10 سفراء للدولة، كان ذلك خلال انعقاد الجمعية العمومية السنوية للأمم المتحدة، وأشرفت لانا وفريقها على تنظيم برنامج تلك الزيارة، واجتمعنا مع مسؤولين من الأمم المتحدة ومراكز الفكر وغيرها.
أكثر ما أتذكره من تلك الزيارة هو لقاؤنا مع هنري كيسينجر في مكتبه الشهير في نيويورك، وكان يبلغ حينها 94 سنة، وقبل أن أقابله كنت أتخيل أن كيسينجر رجل طويل القامة، فصورة هذا الرجل في ذهني هي ما رأيته في التلفزيون. بعد أن عرّف السفراء بأنفسهم لكيسينجر والدول التي يمثلونها، بدأ حديثه مع عدد منا، ثم قال: «أنجيلا ميركل لا يوجد لها منافس في ألمانيا»، وحينها كانت الانتخابات في ألمانيا على وشك أن تبدأ لولاية المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الأخيرة، عندها نظرت إلى هذا الرمز السياسي العالمي مبتسماً صامتاً، وكنت أقول لنفسي «تبارك الرحمن، 94 سنة وشوف حاسيته، متابع ويعرف شو صاير حول العالم».
فريق البعثة الذي تولى مهمة عضوية الإمارات في مجلس الأمن، ملعب السياسة الأهم عالمياً، يضم كفاءاتٍ عديدةً، وهناك رجل محوري له دور رئيسي خلال هاتين السنتين، وهو السفير محمد عيسى أبوشهاب، نائب رئيس بعثة الدولة لدى الأمم المتحدة، عطاؤه لا يتوقف حتى وإنْ لم تُسلط على عمله الأضواء، ومحمد بوشهاب نشأ وتربى في كنف عائلة دبلوماسية، فأبوه هو السفير عيسى حمد أبوشهاب، سفير الدولة لدى المملكة المغربية لسنوات طويلة، وأحد أبرز الدبلوماسيين الإماراتيين الذين تزخر بهم وزارة الخارجية منذ تأسست. جزيل الشكر لجميع أعضاء البعثة الدائمة للدولة لدى الأمم المتحدة لكل ما تحقق باسم دولة الإمارات في مجلس الأمن في السنتين الماضيتين.
*الوكيل المساعد للسياسات والاتصال الدفاعي بوزارة الدفاع